العاب جماعيةسلةمقالاتىرئيسيةىنرشح لكم

ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت” .. المايسترو نيللو وانتصارات السلة المصرية

فى 8 أبريل 1912 .. ولد فى القاهرة طفل جديد لعائلة إيطالية من مدينة كاتانيا فى جزيرة صقلية وهاجرت إلى مصر فى نهايات القرن التاسع عشر .. وكان الطفل الأول لوالديه .. ورغم اختيار الأب لإسم كارمينى إلا أن الأم قررت أن تناديه باسم نيللو وظل مرتبطا بهذا الإسم طيلة حياته .. وبعد نيللو جاء شقيقه وشقيقته .. والتحق الثلاثة بالمدرسة الإيطالية فى مصر .. وكانت مدرسة ضخمة المبانى كثيرة الملاعب حيث تألق نيللو فى سباقات الجرى وبالتحديد سباق المائة متر لكنه وقع فى غرام كرة السلة حيث كان هناك ملعبان لها فى المدرسة .. وظل نيللو فى ملاعب كرة السلة وابتعد عن سباقات الجرى .. وكانت إصابته بالتيفود وهو فى الثامنة عشر من عمره سببا فى ضعف بصره فاكتفى بمركز صانع الألعاب مستخدما نظارته الطبية وهو يلعب .. وكان ذلك بداية تفكيره ثم قراره بالتحول للتدريب بدلا من اللعب .. ولم يكن نيللو يدرى أنه بعد هذا القرار سيقود منتخب مصر لكرة السلة لتحقيق أجمل وأهم انتصاراته .. بطولة أمم أوروبا 1949 والمركز الثالث فى كأس العالم 1950 وميدالية الذهب فى ألعاب البحر المتوسط 1951.

ورغم ذلك .. لم يهتم كثيرون فى مصر بحكاية كارمينى باراتورى رغم أهميتها وغرابتها وانسانيتها أيضا بعكس الإيطاليين الذين كانوا فخورين به دائما ويعتبرونه صانع نهضة كرة السلة الإيطالية واجروا معه الكثير من الحوارات وألفوا عنه الكتب .. وكانت مصر حاضرة دائما فى كل حكاياته وحواراته .. فإلى جانب ما قدمه هذا الرجل لمنتخب مصر لكرة السلة .. كان أيضا أحد ستة أشخاص أسسوا 1930 أول اتحاد مصرى لكرة السلة .. فمنذ أن عرف المصريون كرة السلة وبدأوا يلعبونها .. كانت هناك السلة حسب القانون الأمريكى التى خرجت للقاهرة من الجامعة الأمريكية التى تأسست 1919 .. والسلة حسب الفكر الفرنسى التى تعلمتها الإسكندرية فى مدارس الليسيه التى تأسست 1909 .. وبدأت محاولات توحيد اللعبة وقوانينها ونظامها واستمرت حتى تأسس الاتحاد المصرى أخيرا عام 1930 وكان نيللو أحد مؤسسيه .. وحكى نيللو فيما بعد للصحفى الإيطالى نيكولا بوتشى ذكرياته عن تأسيس الاتحاد المصرى وكيف كانت صعوبة هذا التأسيس .. فلم يكن هناك اهتمام أو مال يسمح بأى نشاط لكن كانت هناك الرغبة والإصرار على تأسيس الاتحاد .. وفى مشهد جانبى يؤكد الصحفى الإيطالى أن نيللو كان يحكى له كيف ساعد فى تأسيس الاتحاد المصرى كأى مواطن مصرى وليس كرجل إيطالى ولد ويعيش فى مصر .. وأصبح نيللو أحد الذين يديرون كرة السلة فى مصر بعد تأسيس اتحادها .. لكن لم يطل مشواره مع الإدارة وفضل التدريب مرة أخرى بدلا من الإدارة مثلما سبق أن اختار التدريب بدل اللعب.

وتزوج نيللو 1938 .. وبدأ ينعم باستقرار عائلى ورياضى إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية .. ففى بداية الحرب قامت القوات البريطانية بترحيل الأب عن مصر فسافر إلى العراق ثم إيطاليا ثم فلسطين واستقر أخيرا فى استراليا .. وفى 1941 اعتقلته القوات البريطانية مع ستة آلاف رجل من الإيطاليين المقيمين فى مصر خاف البريطانيون أن يستخدمهم موسولينى ويحيلهم إلى خنجر فى ظهر الجيش البريطانى فى مصر أثناء الحرب .. ولم يكن هناك أى اتهام محدد لنيللو سوى أنه إيطالى رغم أنه عاش عمره كله فى مصر وتعلم ولعب فى مصر وشارك فى تأسيس اتحاد مصر لكرة السلة .. وكانت الحياة فى المعتقل صعبة وقاسية .. وتعرف نيللو داخل المعتقل على بطل البريدج الإيطالى جاروزو وتعلم منه اللعبة وتعلم أيضا العزف على الفلوت .. وبعدما أجاد نيللو العزف .. بدأت الحياة فى المعتقل تبدو أقل قسوة حيث كان نيللو أحد عازفى الموسيقى الذين احتاجهم البريطانيون للترفية عن جنودهم.

وتم الإفراج عن نيللو 1944 بعد استسلام اليابان وانتهاء الحرب .. وسافر نيللو إلى أرمينيا للتدريب هناك لكنه عاد بسرعة إلى مصر وبقى فيها وتعاقد معه الزمالك لتدريب فريقه لكرة السلة .. وفاز الزمالك بقيادة نيللو ببطولة دورى القاهرة وأيضا بطولة المملكة المصرية .. واستدعاه الاتحاد المصرى لمساعدة المدرب الأمريكى الجديد نيل هاريس الذى تعاقد معه الاتحاد لإعداد المنتخب المصرى الذى سيشارك دورة لندن الأوليمبية 1948 .. وفجأة .. جاء أمر بالاستغناء عن نيللو وإبعاده عن المنتخب .. وبعد النتائج المصرية السيئة فى دورة لندن وخسارة أربع من خمس مباريات فى الدور التمهيدى واحتلال المركز التاسع عشر فى الدورة .. ترك ناشد بك حنا رئاسة الاتحاد وخلفه محمد شاهين باشا محافظ القاهرة الذى استغنى عن هاريس واستعان بنيللو من جديد لقيادة المنتخب المصرى وإعداده للمشاركة فى بطولة أمم أوروبا التى استضافتها مصر 1949
وحكى نيللو للإيطاليين كيف أقام مع لاعبى منتخب مصر فترة ما قبل البطولة فى منطقة عسكرية تبعد عشرة كيلومترات عن القاهرة .. وأن مهمته فى ذلك المعسكر لم تكن فقط إعداد اللاعبين فنيا لكن معنويا أيضا .. وأنهم كمصريين ليسوا أقل من أى منتخب أوروبى لكرة السلة .. وبالفعل .. فاز المنتخب المصرى بقيادة نيللو ببطولة أوروبا لكرة السلة 1949 التى أقيمت مبارياتها فى هليوبوليس .. فاز المنتخب المصرى فى هذه البطولة على سوريا وهولندا ولبنان وتركيا واليونان وفرنسا .. وكانت بطولة أوروبا بداية ثورة حقيقية فى كرة السلة المصرية .. وتوالت بعدها النتائج الرائعة .. ففى عام 1950 .. قاد نيللو المنتخب المصرى للمركز الثالث مكرر فى بطولة كأس العالم لكرة السلة التى استضافتها الأرجنتين فى بوينس آيريس حيث تساوت مصر فى عدد النقاط مع شيلى والبرازيل .. وفى عام 1951 .. استضافت مصر فى الإسكندرية أول دورة لألعاب البحر المتوسط .. وفى منافسات كرة السلة .. فازت مصر على إسبانيا واليونان ولبنان وسوريا وتركيا كما فازت أيضا على إيطاليا .. ونالت ميدالية الذهب.

ولم يستمر التفوق المصرى فى كرة السلة .. حيث لعبت ثلاث مباريات فى دورة هلسنكى الأوليمبية 1952 وخسرت أمام فرنسا وشيلى وفازت فى مباراة وحيدة على كوبا لتحتل المركز الثالث فى مجموعتها ولا تتأهل للأدوار النهائية .. والتفتت إيطاليا لنيللو باراتورى واستدعته 1954 لقيادة منتخب إيطاليا لسيدات كرة السلة .. وبعد عامين .. قاد نيللو منتخب إيطاليا لرجال كرة السلة .. وظل يقوده 11 عاما على التوالى فى بطولتين لكأس العالم وثلاث دورات أوليمبية .. وغير نيللو من شكل ومستوى وأداء كرة السلة الإيطالية .. واعتبره الإيطاليون الأستاذ الذى صنع نهضة السلة الإيطالية .. وبعدما ترك نيللو المنتخب الإيطالى .. قام لبعض الوقت بتدريب أندية إيطالية مثل سينكات سيراكوزا .. وفيرتوس بولونيا .. وأودينيزى .. وعادت مصر تستدعيه مرة أخرى لقيادة منتخبها فى دورة ميونيخ الأوليمبية 1972 .. لكن خسرت مصر كل مبارياتها فى ميونيخ لتنتهى علاقة نيللو بكرة السلة المصرية بعد تاريخ طويل .. وبعدها عاد نيللو إلى إيطاليا 1973 .. وقام بتدريب لاتسيو ثم فيرتوس روما الذى قاده من الدرجة الثانية إلى الأولى فى أربع سنوات .. واعتزل نيللو بعد ذلك التدريب وأصبح مستشارا فى اللجنة الأوليمبية الإيطالية .. وظل يتحدث عن مصر وغرامه بها وحياته فيها ونجاحاته معها حتى مات فى روما فى الثامن عشر من يوليو 1991.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى