العاب فرديةمقالاتىرئيسيةىنرشح لكم

ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت” .. الملك فؤاد وإسحاق وبحر المانش

فؤاد الأول .. سلطان مصر من 1917 حتى 1922 ثم ملك مصر حتى 1936 .. لم يدخل تاريخ الرياضة المصرية فقط باعتباره أول حاكم يقوم بتعيين مستشار رياضى للقصر هو جاك جوهر الذى أسس بعد سنوات الاتحاد المصرى لكرة السلة فى 1930 وكان رئيسه الأول .. أو لأنه أول من فتح أبواب قصر عابدين فى 1928 لمنتخب كرة القدم وكان صاحب أول برقية تهنئة بعد الفوز بمباراة كروية .. أو حكايات أخرى كثيرة لنفس الملك مع اتحادات وأندية وألعاب .. إنما كان فؤاد أيضا أول من دعا المصريين لمحاولة عبور المانش وكانت حكاية طويلة ربما لا يعرفها كثيرون حتى اليوم.

ففى 1922 .. ألغت بريطانيا الحماية على مصر التى أعلنت استقلالها فى 15 مارس من نفس العام وتغير لقب فؤاد من سلطان إلى ملك .. وبدأ الملك الجديد وسط شواغل وهموم وحسابات كثيرة يفتش عن بطولة رياضية لمصر .. وتزامن ذلك مع أخبار بدأت تنتشر عن شاب مصرى يجيد السباحة سبق له العوم من رأس البر إلى دمياط  ومن حلوان إلى القاهرة .. ولأن قائمة المعجبين بهذا الشاب ضمت الصحفى الكبير محمد التابعى وفيليب أوفارل رئيس تحرير إيجيبشيان ميل .. فقد بات هذا الشاب حديث الصحافة فى مصر لتصل حكاياته إلى القص.

وسأل الملك عن هذا الشاب واكتشف أنه إسحاق ابن عبد القادر حلمى باشا الذى مات 1908 وكان أحد أهم وأشهر قادة الجيش المصرى وشغل مناصب عديدة مثل وزير الداخلية ومحافظ القاهرة والإسكندرية  .. وكان ممن يحبهم ويحترمهم الملك فؤاد .. وتم استدعاء إسحاق للقصر وطلب منه الملك فؤاد أن يحاول عبور الماش على أن يتحمل القصر كل التكاليف اللازمة حيث سيقدمله الملك منحة سنوية قدرها 25 ألف دولار حتى ينجح فى ذلك .. وبالفعل سافر إسحاق فى 1924 إلى فرنسا وأقام فى كاب جريز نيز التى هى أول أرض فرنسية تطل على بحر المانش .. وقام اسحاق هناك باستئجار فندق كامل من الفندقين الوحيدين فى المدينة .. وأثار ذلك غضب وضيق السباحين الآخرين الذين لم يجدوا مكانا لإقامتهم والاستعداد لبدء تجاربهم .. ووفقا للصحافة الأوروبية فى ذلك الوقت .. لم يدم غضب هؤلاء كثيرا لأن اسحاق بطبيعته كان كريما وفى غاية الطيبة والاحترام وبلغ به الأمر أنه كان كثيرا يساعد الآخرين لبدء محاولاتهم.

وفى 5 سبتمبر 1924 .. بدأ إسحاق أولى محاولاته لكنه لم ينجح فى الوصول لشاطىء شكسبير فى دوفر فى إنجلترا .. وبأوامر ملكية .. لم يعد إسحاق إلى مصر ولم ينته عام 1925 إلا وكان اسحاق حلمى قد أصبح حديث الصحافة الأمريكية أيضا ونال شهرة لم ينلها وقتها حتى الذين نجحوا فى محاولاتهم لعبور المانش .. ففى 22 أغسطس 1925 نشرت جريدة نيويورك تايمز حكاية السباحة  الأمريكية جيرترود إيديرلى الفائزة بثلاث ميداليات أوليمبية فى دورة باريس 1924 .. وبعد السباحة من نيويورك إلى نبوجيرسى .. قررت جيرترود محاولة عبور المانش برعاية وتمويل جمعية السباحة الأمريكية النسائية .. وبدأت حيرترود فى 18 أغسطس 1925 محاولتها لكنها فجأة شعرت بالإعياء وأوشكت على الغرق .. وكان إسحاق فى نفس الوقت يسبح بجوارها ويقوم بمحاولة جديدة .. وتخلى إسحاق عن محاولته وقام بإنقاذ البطلة الأمريكية وأصبح بطلا تكتب عنه الصحافة الأمريكية بكل امتنان واحترام رغم عدم نجاحه فى عبور المانش.

ونجحت جيرترود فى العام التالى وأصبحت أول إمرأة تنجح فى عبور المانش فى التاريخ .. بينما فشل إسحاق فى محاولته الثالثة .. وعاد يحاول مرة أخرى فى 27 أغسطس 1926 رغم أنه هذه المرة قرر السباحة من إنجلترا إلى فرنسا وليس العكس.. وفشل للمرة الرابعة .. وعاد اسحاق يحاول للمرة الخامسة فى 7 أغسطس 1927 ولكنه عاد للسباحة من فرنسا إلى انجلترا .. وبعدها تسلل اليأس إلى نفوس أصدقاء اسحاق وكل المحيطين به وأسرته وحتى إلى قصر الملك فؤاد الأول فى القاهرة .. لكن بقى اسحاق وحده مقتنعا بأنه سينجح وسيحقق حلمه الشخصى ورغبة الملك المصرى أيضا .. لم يعد الأمر بالنسبة لإسحاق حلمى مجرد سباحة 33 كيلومتر فى الماء .. إنما رهان حياة وحلم عمر وكبرياء شخصى أيضا .. كان اسحاق رغم كل ما أحاط به من يأس واحباط وربما سخرية أيضا مصرا على النجاح واثقا أنه سيعبر المانش وسيعود يوما ما إلى مصر وأهل مصر وملك مصر وقد حقق الحلم مهما بدا حلما مستحيلا.

وبالفعل .. وفى 31 أغسطس 1928 .. نجح اسحاق حلمى وعبر المانش أخيرا فى محاولته السادسة .. وأصبح تاسع سباح فى التاريخ يعبر المانش منذ أن نجح الإنجليزى ماثيو ويب فى عبور المانش فى 1875 .. وبعد سباحة طالت 23 ساعة و40 دقيقة .. وبرفقة مدربه توماس بورجيس والمركب ألزاس .. وصل اسحاق حلمى عائما من فرنسا إلى انجلترا .. واحتفلت مصر كلها بهذا النجاح .. شعر المصريون بالسعادة والاعتزاز بنجاح واحد منهم فى عبور المانش الذى كان وقتها هو التحدى الأكبر والأعظم لأى سباح فى العالم .. ونجح الملك فؤاد فيما كان يريده بشكل شخصى وخطط له وأنفق عليه طيلة أربع سنوات .. والتفتت صحافة مصر لهذا الانجاز .. وتحت صورة اسحاق حلمى على غلاف مجلة المصور فى عدد 7 سبتمبر 1928 .. كتبت المجلة على نفس الغلاف .. فاز سباحنا المصرى المعروف اسحاق بك حلمى فى الأسبوع الماضى فى اجتياز بحر المانش سباحة بعد محاولات عدة فى السنوات الماضية .. وتمكن من أن يبلغ الشاطىء الانجليزى حيث كان فى انتظاره جمهور غفير لاستقباله والترحيب به .. وقد تناقلت أسلاك البرق خبر هذا الفوز الباهر وأثنت الصحف الغربية على سباحنا المقدام ثناء طيبا .. وفى 13 أغسطس .. احتفلت جريدة الأهرام بما حققه اسحاق حلمى وقالت .. أول سباح شرقى يجتاز المانش بعدما قضى حلمى بك الليل بطوله يكافح مياه المانش الباردة وصل أخيرا إلى الشاطىء عند فولكستون قبل الساعة الثانية ظهرا .. واحتشد جمهور غفير لاستقباله والترحيب به.

وعاد اسحاق حلمى إلى مصر .. ومنحه الملك فؤاد نوط الجدارة وقال اسحاق أنه قام بهذا العمل ارضاء لمليكه الذى تتوق نفسه إلى أن يوفق مصرى لعبور هذا البحر سباحة .. وتوالت بعد ذلك حفلات تكريم اسحاق حلمى .. ومنحته الصحافة المصرية وقتها عدة ألقاب أهمها كان تمساح النيل .. عميد السباحين المصريين .. ووصفته الصحافة الإنجليزية بأنه الفرعون .. وبالتأكيد كان اسحاق حلمى سعيدا بكل ذلك .. سعيد بنجاح تحقق بعد طول عذاب وانتظار .. ورحلة طويلة كان فيها اسحاق حلمى هو الوحيد الذى لم يفقد الأمل ولم يستسلم لليأس .. وكان واثقا من أنه سينتصر مثلما انتصر سابقا على البلهارسيا التى كان من المفترض أن تمنعه من السباحة الشاقة .. وأصبح أول سباح فى العالم يعبر المانش رغم البلهارسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى