العاب فرديةمقالاتىرئيسيةىنرشح لكم

ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت” .. لعبة وحيدة تعلمها الإنجليز من المصريين

فى 2019 .. تساءلت مجلة إيكونوميست البريطانية عن سر سيطرة المصريين على لعبة الكروكيه .. فقد فازوا بتسع بطولات عالم فى آخر 12 بطولة للرجال .. وثلاث بطولات فى آخر 6 بطولات للنساء .. ولم تنس المجلة البريطانية العريقة أن تشير إلى أن الإنجليز علموا المصريين الإسكواش والكروكيه ثم فوجئوا بالتلامذة يتفوقون على أساتذتهم فى اللعبتين .. وعلى الرغم من تفوق المصريين فى اللعبتين على الإنجليز والعالم كله .. إلا أن الذى لم تذكره الإيكونوميست وقتها هو الفوارق الكثيرة بين الإسكواش والكروكيه فى مصر .. فالمصريون حين يفوزون فى الإسكواش يتحدث عنهم كثيرون ويشير إليهم الإعلام بينما لا أحد فى مصر يهتم أو يلتفت لمن يفوزون فى الكروكية .. وأصبح المصريون حتى غير المهتمين بالإسكواش يحفظون أسماء المصريات والمصريين الذين أصبحوا أبطال العالم .. لكن لا أحد يعرف أبطال العالم فى الكروكيه مثل خالد يونس وصلاح حسن وأحمد نصر ومحمد نصر وأحمد المهدى وناهد حسن وإيمان الفرنساوى وسها مصطفى .. كما أننا رغم احتكار كل بطولات وانتصارات الإسكواش عالميا لم نشهد مصريا يدير اللعبة دوليا .. بينما أصبح أمير رمسيس نجيب رئيسا للاتحاد الدولى من 2012 حتى 2019 إلى جانب 20 سنة قضاها أمير فى المكتب التنفيذى للاتحاد الدولى غير 18 سنة رئيسا للاتحاد المصرى

وإذا كان المصريون بقوا يلعبون الإسكواش بنفس القواعد التى ابتكرها الإنجليز .. فإنهم قاموا يتغيير القواعد الإنجليزية القديمة للكروكيه وتمردوا على الشكل التقليدى للعبة لدرجة أنه يمكن التأكيد دون مبالغة على أن المصريين أعادوا اكتشاف الكروكية أو ابتكروا لعبة جديدة قدموها وعلموها للعالم اسمها الجولف كروكيه .. وأصبحت حكاية الجولف كروكيه واحدة من حكايات كثيرة فى تاريخ الرياضة المصرية لا يعرفها كثيرون .. حكاية بقت مجهولة ومنسية حتى الآن رغم أن مجلة الكروكية العالمية أكدت فى 1996 أن العالم تأثر بالكروكيه المصرى أكثر مما تأثرت مصر بكروكيه العالم .. ومقالات ودراسات أخرى أكدت وشرحت كيف قامت مصر يتطوير هذه اللعبة لدرجة أن أصبح أبطال العالم يعلنون باعتزازا أنهم أصبحوا يلعبون الكروكيه بنفس أسلوب وقوة ورشاقة المصريين

وكان الإنجليز هم أول من بدأ لعب الكروكيه .. وهى لعبة فردية وزوجية عبارة عن قذف الكرة بمضارب خشبية لتمر من خلال 12 قوس حديدى فى ملعب مستطيل من النجيل محدود المساحة .. ويفوز اللاعب أو الفريق الذى يسبق فى تمرير الكرة من 12 قوس .. وأول ناد فى العالم للكروكيه كان اسمه نادى كل الألعاب وتأسس فى 1868 فى لندن .. ولا يزال باقيا حتى الآن لكنه استبدل الكروكيه بالتنس وأصبح هو النادى الذى ينظم سنويا بطولة ويمبلدون .. ومن الإنجليز تعلمت أوروبا كيف تلعب الكروكيه .. وفى دورة باريس الأوليمبية 1900 .. أصبح الكروكيه لعبة أوليمبية لأول وآخر مرة .. ربما لأنه لم تكن هناك منافسة حقيقية .. ولم يكن هناك سوى مشاهد واحد اشترى تذكرة للفرجة على الكروكيه الأوليمبى .. لكن يبقى الكروكيه تاريخيا هو اول لعبة أوليمبية تشارك فيها النساء رغم معارضة البارون دى كوبرتان .. وكان من الطبيعى أن يكون الكروكية أحد الألعاب الكثيرة التى جاء بها الإنجليز إلى مصر .. وفى البداية كان الإنجليز يلعبون الكروكيه سواء داخل نادى الجزيرة أو فى ملاعب بدائية ومؤقتة أسسوها فى استراحات الرى والبنوك ومحالج الأقطان وفى فناء بعض البيوت والشركات .. وبدأ المصريون يشاهدون هذه اللعبة الجديدة ويرونها لعبة يمكن تعلمها وتسهل ممارستها .. وحسب صحيفة إيجيبشيان جازيت .. أصبح نادى الجزيرة يملك فى 1921 ستة ملاعب كروكيه .. وفى الثلاثينات .. دخلت لعبة الكروكيه للعديد من المدارس المصرية فى القاهرة والإسكندرية .. ومثلما تعلمت القاهرة الكروكيه فى نادى الجزيرة .. تعلمت الإسكندرية الكروكيه فى نادى سبورتينج

وبعد قليل .. انتشرت لعبة الكروكيه فى أكثر من ناد وأقبل مصريون كثيرون على هذه اللعبة التى وجدوا فيها الكثير من المزايا .. فهى تمنحهم نفس وجاهة لعبة الجولف لكن فى مساحة صغيرة وبأدوات أرخص كثيرا .. وتمنحهم أيضا أناقة التنس دون التركيز الدائم والجهد الهائل واللياقة العالية اللازمة للتنس .. وهى إلى حد ما تشبه لعبة البلياردو لكن فى الهواء الطلق وتسمح لممارسيها بتبادل الأحاديث والتواصل الاجتماعى فى هدوء ووقار .. ولكل هذا خرج المصريون بالكروكيه من الدوائر الإنجليزية المغلقة وأصبح أحد ألعابهم المميزة .. ولهذا بقى الكروكيه بعد رحيل الإنجليز عقب ثورة يوليو 1952 بل أصبح أكثر انتشارا وازدهارا .. ثم بدأ المصريون يضعون لمساتهم الخاصة لتطوير اللعبة نفسها التى كانت إنجليزية فأصبحت مصرية .. وأشارت مجلة سبورتس إيلاستريتد فى 1968 إلى أن جمال عبد الناصر كان أحد لاعبى الكروكيه وكان يملك ملعبا خاصا بها فى بيته بمنشية البكرى .. ولعبها أيضا عبد اللطيف البغدادى أحد قادة ثورة يوليو لكن فى نادى هليوبوليس .. وأيضا أحمد حمروش الذى كان أحد الضباط الأحرار ثم انتقل للكتابة والصحافة وكان أول رئيس للاتحاد المصرى للكروكيه فى 1967 والدكتور كمال هنرى أبادير .. وبعدهم كان عاطف عبيد أول رئيس وزراء مصرى يهوى لعب الكروكيه

وبعد رحيل الإنجليز مصر قام عثمان الحضرى بترجمة قوانين اللعبة وألف أكثر من كتاب عن الكروكيه .. وبدأ المصريون تغيير هذه القوانين وأسلوب اللعب فأصبح الكروكيه لعبة أسهل وأسرع وأكثر جمالا وإثارة .. وزاد انتشار اللعبة وبدأت مسابقاتها بعد تأسيس الاتحاد المصرى .. والتفتت السينما المصرية للكروكيه مثل فيلم كرامة زوجتى لشادية وصلاح ذو الفقار الذى ظهر فيه ملعب الكروكيه فى نادى المعادى .. وفيلم الخيط الرفيع لفاتن حمامة ومحمود ياسين وفيه ملاعب الكروكيه فى نادى الجزيرة .. وكان نادى سبورتينج فى الإسكندرية هو الأقوى حين بدأت بطولات ومنافسات الاتحاد .. وأقام سبورتينج أولى بطولاته فى 1960 أى قبل تأسيس الاتحاد المصرى أصلا .. وكانت بطولة للسيدات وفازت بها كاميليا أبو العلا .. ومن أهم وأوائل أبطال اللعبة فى مصر .. محمود عبد العزيز الذى مات بالسرطان 1972 .. ورمضان جبر الذى تم وصفه بعبقرى الكروكيه فى ستينات وسبعينات القرن الماضى .. وبقى أسلوبه هو الأفضل حتى الآن ولا يزال يتعلمه أهم لاعبى العالم .. ولم يكتف المصريون بما قاموا به من تغيير وتعديل لقوانين اللعبة وطرق لعبها .. إنما قاموا بتصنيع أدواتها محليا أيضا .. فبعد التعديلات المصرية باتت الضربات قوية بما يكفى لتنكسر كرات الكروكيه .. ولم تتوافرالعملة الصعبة وقتها لاستيراد كرات بلياردو من الخارج بشكل كاف ودائم .. فكان التفكير فى التصنيع المحلى .. وابتكر المصريون كرات جديدة قاموا بتصنيعها كانت صالحة للاستخدام أكثر من أربعين عاما دون أن تنكسر مهما كانت قوة الضربات .. ولم تعد هذه الكرات المصنعة فى مصر مستخدمة محليا إنما باتت تطلبها دول أخرى أيضا

وفى عام 1985 .. كان جيف روى أحد طيارى الخطوط الجوية البريطانية فى زيارة للقاهرة .. ولأنه كان من عشاق الكروكيه .. ذهب لنادى الجزيرة ليلعب هناك مع المصريين .. وحكى ستيفين مولينر سكرتير عام الاتحاد الدولى للكروكيه أن الطيار البريطانى أمضى باقى اليوم يتعرض للهزائم أمام المصريين .. وحين عاد جيف إلى لندن حكى لكثيرين عما شاهده فى القاهرة وكيف يلعب المصريون الكروكيه بعد أن طوروا وغيروا شكلها وأسلوب لعبها .. وفى التسع سنوات التالية لحكاية الطيار البريطانى .. ظل الكروكيه المصرى يواصل التطور ويجذب اهتمام وانتباه عالم اللعبة ومسئوليها ولاعبيها .. وفى 1995 .. انضمت مصر للاتحاد الدولى للكروكيه .. وكانت وقتها تملك 5000 لاعبا ولاعبة .. وملاعب كروكيه فى ثلاثين ناديا .. وقرابة 40 سنة من الخبرة والتطوير والتعديل .. وتمت دعوة كريس هدسون سكرتير الاتحاد الدولى لزيارة مصر ليرى كيف يلعب المصريون الجولف كروكيه .. وقال كريس وقتها أنه لابد أن تكون هناك بطولة عالم بعد كل ما قام به المصريون .. وبالفعل أقيمت أول بطولة عالم للجولف كروكيه 1996 فى مدينة ميلانو فى إيطاليا وكان من الطبيعى أن يكون النهائى مصريا حيث فاز خالد يونس على هشام أبو اصبع وأصبح خالد أول بطل عالم للجولف كروكيه وقد نال خالد شهادة الماجستير وكان موضوعها لعبة الكروكيه .. وفى 2010 فاز هشام بأول بطولة عالم للكروكيه فوق سن الخمسين .. وفى ثانى بطولة عالم 1997 التى استضافتها مصر كان النهائى أيضا مصريا خالصا .. وفيه فاز صلاح حسن على وليد صلاح .. وحتى عام 2019 قبل أن تتوقف بطولة العالم بسبب كورونا .. لم يخل أى نهائى من لاعب مصرى على الأقل .. ولم يخسر المصريون النهائى إلا ثلاث مرات فقط .. وفى 6 بطولات كان النهائى مصريا خالصا .. ومثل الرجال .. كان نهائى أول بطولة عالم لسيدات الجولف كروكيه التى استضافتها مصر 2005 أيضا مصريا خالصا وفيه فازت ناهد حسن على إيمان الفرنساوى .. وكان النهائى الثانى 2007 مصريا أيضا وفيه فازت إيمان الفرنساوى على مروة مصطفى .. وكان النهائى المصرى النسائى الثالث فى 2019 وفيه فازت سها مصطفى على منال خضير

وخلال تلك السنوات .. أصبحت مصر ثانى أكثر دولة فى العالم بعد انجلترا اهتماما وتألقا وتطويرا للعبة الجولف كروكيه .. حتى أن البعض فى الاتحاد الدولى فكروا فى إطلاق اسم الكروكيه المصرى بدلا من الجولف كروكية تقديرا لما قام به المصريون .. لكن رفض أمير رمسيس نجيب ذلك حتى لا تبقى لعبة محلية خاصة بمصر بينما الأفضل أن يستمر الجولف كروكيه لعبة عالمية .. ولا يزال صحفيون كبار يكتبون عن الكروكية على ضفاف النيل كإحدى أجمل حكايات هذه اللعبة .. ويؤكدون أن مصر أثرت فى الكروكيه العالمى أكثر مما تأثر الكروكيه المصرى بكروكيه العالم .. وأن المصريين حتى إن لم يفوزوا أحيانا إلا أنهم يبقون هم الأكثر موهبة وإمتاعا حين يلعبون الكروكيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى