العاب فرديةمقالاتىرئيسيةىنرشح لكم

ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت ” .. بطل عالم لا يتذكره أحد اسمه مرعي حماد

فى 1923 .. كاد طفل صغير اسمه مرعى فى السادسة من عمره يغرق فى الترعة الصغيرة المواجهة لبيت أسرته فى قرية بنى فيز بمركز صدفا فى أسيوط .. ولأن مرعى لم يكن يعرف العوم فقد ظل يصرخ وينادى على أى أحد لإنقاذه حتى سمعه شقيقه الأكبر الذى كان كفيفا .. واقترب الشقيق من مصدر الصراخ ومد يده ليتعلق بها مرعى ويخرج من الماء وقد قرر أن يتعلم العوم حتى لا يعيش هذا الخوف مرة أخرى .. ولم يكن مرعى الصغير يعرف أو يتوقع أنه بهذا القرار سيصبح بعد سنين طلا لمصر والعالم كله فى السباحة .. وأحد القليلين جدا فى العالم الذين عبروا المانش خمس مرت .. وسيصبح أيضا أول سباح فى التاريخ يفوز فى إيطاليا بسباق كابرى نابولى

وكان الإيطاليون بعد نجاح فيور أفانتى وسيزار ألفيرى فى 1949 فى السباحة من جزيرة كابرى إلى شاطىء نابولى .. بدأوا يحلمون ويحاولون تنظيم سباق بين كابرى ونابولى وأن يصبح أهم وأشهر سباق سباحة فى العالم وأن يتفوق على عبور المانش .. فالمسافة بين كابرى ونابولى أطول من المانش والتحديات والمخاطر أكبر .. والطبيعة أجمل كثيرا مما يراه أى أحد فى القنال الإنجليزى بين فرنسا وإنجلترا .. وبعد محاولات دامت خمس سنوات وشبه اتفاق دولى على أن هذا السباق الجديد سيعادل بطولة عالم للسباحة الطويلة .. وجه الإيطاليون الدعوة لسباحى العالم للمشاركة فى أول سباق بين كابرى ونابولى

وفى الأول من أغسطس 1954 .. وقف لأول مرة عشرة سباحين عند شاطىء أوندين فى جزيرة كابرى على استعداد للقفز فى الماء والسباحة 36 كيلومترا حتى شاطىء نابولى .. وكانت المفاجأة هى فوز السباح المصرى مصطفى حامد بالمركز الثانى .. والسباح المصرى أيضا سيد العربى بالمركز الرابع .. أما بطل السباق والفائز بالمركز الأول ولقب بطل العالم للسباحة الطويلة .. فكان هو البطل المصرى مرعى حماد .. نفس الطفل الذى كاد فى 1923 يغرق فى ترعة قريته الصغيرة فظل فى 1954 يعوم عشر ساعات كاملة من كابرى إلى شاطىء نابولى ليصبح الأول فى تاريخ هذا السباق

ولم يكن هذا هو الانتصار الأول والبطولة الأولى لمرعى الذى لم يعد يعرفه أو يتذكره أحد الآن رغم كل نجاحاته المحلية والدولية طيلة مشواره مع السباحة .. فحين أتم مرعى التاسعة عشر من العمر .. تم استدعاؤه للتجنيد .. وفكر والده فى بيع الجاموسة الوحيدة التى يملكها ليدفع البدل ليتم اعفاء ابنه من التجنيد .. ورفض مرعى ذلك وتم تجنيده وتوزيعه ضمن جنود الحرس الملكى بقصر عابدين .. وفى القصر لفت مرعى بطول قامته وذراعيه القويتين انتباه المسيو نور مدرب السباحة الخاص بالملك فاروق .. ورأى فيه مشروع بطل سباحة فقرر القيام بتدريبه على السباحة الحقيقية بعيدا عما تعلمه فى قريته .. واستوعب مرعى بسرعة كل ما تعلمه من المسيو نور الذى أشركه فى سباق للسباحة مع جنود الحرس الملكى فى قصر عابدين .. وفاز مرعى بالسباق .. وكانت أول بطولة سباحة يفوز بها .. وساعده ذلك للسماح له فى 1942 بالمشاركة فى بطولة مصر للسباحة الطويلة فى دمياط التى شارك فيها سباحون من اليونان والمانيا والسويد .. ومرة أخرى فاز مرعى بالبطولة .. وفاز بها أيضا عامى 1944 و1945 كما فاز فى 1943 بسباق النيل الدولى وسباق الإسكندرية أيضا

وكان من الطبيعى بعد هذه البطولات وبعدما أصبح من أبطال مصر فى السباحة الطويلة أن يفكر مرعى حماد فى عبور المانش .. وسافر بالفعل إلى انجلترا فى 1948 لتحقيق حلمه الخاص لكنه لم ينجح فى عبور المانش .. واستعاد مرعى وقتها تجربة الغرق فى الترعة الصغيرة فى قريته التى جعلته يقرر أن يعوم وينتصر على الماء .. فقرر مرعى ألا يستسلم من جديد للفشل فى عبور المانش .. ونجح فى ذلك مرتين فى 1949 .. المرة الأولى كانت ضمن فريق تتابع مصرى من ستة سباحين .. مرعى حماد ومحمود محمد حسن وعمر صبرى وأحمد الزرقانى وعلى الدين وحسن عبد الرحيم .. واجتاز الفريق المصرى بحر المانش من انجلترا إلى فرنسا فى 11 ساعة و11 دقيقة مسجلا رقما قياسيا عالميا جديدا لتتابع عبور المانش .. وكان الرقم القياسى العالمى القديم هو 12 ساعة و35 دقيقة للفريق الفرنسى .. وبعد ذلك نجح مرعى حماد أيضا فى عبور المانش من فرنسا إلى انجلترا .. ثم نجح فى نفس 1950 وفاز بسباق للمانش نظمته جريدة ديلى ميل الإنجليزية كان فيه مرعى حماد هو الأول والأسرع فى الوصول .. ثم وعبر المانش أيضا فى نفس العام للمرة الثالثة

وكان سيبدو طبيعيا أن يكتفى مرعى حماد بما حققه ولا يخاطر أو يحاول من جديد عبور المانش بعد ثلاث محاولات ناجحة ومحاولة ناجحة أيضا ضمن فريق مصرى كسر الرقم القياسى العالمى .. لكنه استجاب لطلب الملك فاروق بضرورة احتفاظ مصر بلقب سباق المانش .. وهكذا سافر مرعى مرة أخرى إلى انجلترا للمشاركة فى هذا السباق للعام الثانى على التوالى .. وصدرت جريدة الأهرام فى 17 أغسطس 1951 وفى صفحتها الأولى هذا الخبر .. فى الساعة الثامنة والنصف صباح أمس وحديث مصر علي كل لسان في أنحاء الدنيا .. فوكالات الأنباء العالمية والصحف ومحطات الإذاعة ورجل السياسة ورجل الشارع .. كل هؤلاء لا حديث لهم إلا عن تماسيح النيل الذين يتقدمون عشرين من خيرة السباحين العالمين في سباق عبور المانش .. حيث كتب الله النصر لمرعي حسن حماد فقهر المانش ورفع فوق صخرة شكسبير علم  مصر الأخضر تتوسطه نجومه الثلاثة .. وفى اليوم التالى كان هذا الخبر فى جريدة أخبار اليوم .. بدت على وجه الملك فاروق دلائل البشر والسرور عندما رفع إلى جلالته نبأ فوز مرعى حسن حماد بمسابقة عبور المانش .. وقد التفت جلالته إلى إكرام سيف النصر بك وقال ابعث حالا برقية تهنئة لمرعى .. وقال تشريفاتى جلالة الملك أن جلالته لم يقرر بعد المكافآة التى سيمنحها لحماد لكننى واثق من أن جلالته سوف يقدر شجاعة هذا المصرى وإقدامه

وقد طلب الملك فاروق ألا يتسلم جائزة السباق وقدرها ألف جنيه استرلينى من الملكة البريطانية إليزابيث .. وأهداه بيتا فى حى السيدة زينب احتفالا بانتصاره .. ولم يكتف مرعى حماد بذلك .. إنما فاز أيضا بسباق ماراثون السين فى باريس فى 1952 .. وعاد مرعى وفاز بنفس ماراثون السباحة الفرنسى فى العامين التاليين 1953 و1954 .. وكانت انتصارات لفتت انتباه قادة ثورة يوليو 1952 .. فأرسل له يهنئه كل من اللواء عبد الحكيم عامر والبكباشى أنور السادات .. وأهداه الرئيس الفرنسى هدية خاصة عبارة عن زهرية فخمة من السيفر إعجابا بموهبته وقوته .. وسبق أن أهدته زوجة الرئيس الأرجنتينى كأسا ذهبية تقديرا لبطولاته .. وجرى ذلك كله قبل أن يكتب مرعى حماد التاريخ ويصبح فى 1954 أول بطل للسباحة الطويلة فى العالم وأول من يفوز بسباق كابرى نابولى فى إيطاليا وأقاموا له تمثالا هناك تكريما لأول بطل وأول من فاز بسباقهم الكبير

وعلى الرغم من أن مرعى حماد بقى يفوز وينجح فى سباق المانش ستة أعوام متتالية .. وفوزه بسباق النيل الدولى أربع مرات متتالية من 1951 إلى 1954 متفوقا على كل من شارك فى هذا السباق من أبطال ومشاهير السباحة الطويلة فى مصر والعالم .. إلا أنه لم ينجح فى 1955 فى المحافظة على لقب سباق كابرى نابولى .. وفى النسخة الثانية من السباق كان الرابع بعد الأرجنتينيين الفريدو كاماريرو وسايدر جوسكاردو .. وفى المركز الثالث كان المصرى حسن أبو بكر .. وكأن مرعى حماد اكتفى بأن يكون هو البطل الأول والفائز الأول بما أصبح أهم وأشهر سباق سباحة فى العالم .. أو كأنه اكتفى بفتح الباب أمام السباحين المصريين الذين توالى فوزهم بهذا السباق سنوات طويلة حتى بدأ يضيق بهم الإيطاليون أحيانا واحساسهم بانهم فكروا فى هذا السباق ونظموه ليس من أجل إيطاليا لكن من أجل السباحين المصريين

واعتزل مرعى المشاركة فى البطولات الرسمية للسباحة بعد عام 1956 .. كان قد بلغ التاسعة والثلاثين من العمر ولم يعد الجسد محتفظا بقوته التى كانت .. لكنه بقى يمارس السباحة كعاشق لها .. وقد أنجب مرعى تسعة أبناء وأصبح له كثير من الأحفاد .. واحدة منهم كانت هبة التى حكت لى عن مرعى الإنسان خاصة أنها عاشت معه طفولتها بعدما ماتت زوجته التى حزن عليها كثيرا .. وكان مرعى يحرص على الذهاب لنادى الجزيرة مع هبة  ليعلمها العوم هناك .. وكان كثيرا ما يعوم فى النادى وهو يحملها فوق كتفيه .. وأحيانا يجلس معها يحكى لها عن بطولاته وذكرياته فى الماء وكيف كان يقاوم التعب ويرفض الاستسلام له ليواصل السباحة رغم كل شىء من أجل البطولة والانتصار

حكت لى حفيدته هبة أيضا أن الحرس الملكى بعدما أصبح الحرس الجمهورى عقب ثورة يوليو 1952 .. منحه الرئيس جمال عبد الناصر رتية نقيب فى الجيش المصرى تقديرا لبطولاته المحلية والدولية .. وتم تكليفه بتدريب الضباط على السباحة .. ثم ترقى لرتبة رائد وأحيل إلى التقاعد برتية عقيد .. وظل رغم العمر الذى جرى يحب الماء ويمارس السباحة حتى أقعده المرض وتم نقله إلى المستشفى العسكرى بكوبرى القبة حيث رحل عن الدنيا فى 5 فبراير 1991 تاركا تراثا رياضيا عظيما سيبقى باسم مرعى حماد حتى لو لم يعرفه وينتبه إليه الكثيرون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى