العاب فرديةمقالاتىرئيسيةىنرشح لكم

ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت” .. عبد الفتاح عمرو أسطورة الإسكواش المصرى والعالمي

فى 30 ديسمبر 1935 .. صدر عدد جديد من مجلة اللطائف المصورة وفى إحدى صفحات العدد تساءل محرر المجلة .. إن لم تفخر الأمم بأبطالها حين فوزهم فمتى تفخر بهم .. وقبل استكمال ما قالته اللطائف المصورة .. لابد أولا من توضيح أن الصحافة المصرية فى ذلك الوقت كانت تطلق على الإسكواش اسم سكواتش راكت وتكتب أميركا وليس أمريكا .. وقالت اللطائف المصورة فى هذا العدد أن عمرو بك بطل سكواتش راكت تحتفى به إنجلترا وأميركا أما مصر فلا تقدره .. وأكملت المجلة قائلة .. جاءت الأنباء البرقية فى الأسبوع الماضى تحمل إلينا بشرى فوز عمرو بك البطل العالمى للعبة سكواتش راكت .. فرأينا الصحف المصرية تمر على الخبر كأنه تلغراف عادى لا يستحق منها أن تضعه فى أظهر مكان وتقف كل صحيفة جزءا منها للإشادة بمن رفع اسم مصر عاليا وجعلها فى مقدمة الأمم مرات متعاقبة .. بل لم نر صحيفة فى مصر غير الأهرام واللطائف المصورة عنيت بنشر صورة هذا البطل الوحيد فى العالم الذى انتزع البطولة من كل أبطال الدنيا متعاقبين واحدا بعد الآخر فكان أكبر دعاية لمصر فى الخارج .. واستكملت اللطائف المصورة حديثها فقالت أيضا .. لم يكن عمرو خامل الذكر أو من عائلة غير معروفة .. فهو من أسرة عمرو المشهورة بالغنى واليسار فى بندر أبى تيج بمديرية أسيوط .. ولم يكن فى حاجة لأى معونة مادية .. بل هو فى حاجة للمعونة الأدبية التى لا تزيد عن قولك للمحسن أحسنت .. فهل قيلت له؟

وبعيدا عن أن تجاهل الإعلام المصرى للنجوم الحقيقيين وانتصاراتهم الرياضية العالمية الجميلة لا يزال مستمرا مع استثناءات قليلة .. فقد كان قرار اللجنة الأوليمبية الدولية مؤخرا بالاعتراف بالإسكواش لعبة أوليمبية كأنه دعوة لاستعادة سيرة عبد الفتاح عمرو وحكايته .. وإذا كنا نملك اليوم بطلات وأبطال إسكواش لا أول لهم أو آخر ولا نهاية لبطولاتهم وانتصاراتهم .. فقد كان عبد الفتاح عمرو هو أول بطل إسكواش مصرى .. هو الذى فتح الطريق أمام كثيرين من مصر ليختاروا هذه اللعبة ويتألقوا فيها .. وهو أيضا اللاعب الذى اعتبره العالم أول بطل اسكواش حقيقى فى تاريخ اللعبة .. والرجل الذى نقل اللعبة إلى آفاق جديدة لم يكن ليعرفها العالم إلا بفضل اللاعب والبطل المصرى عبد الفتاح عمرو

وفى عائلة غنية فى مدينة أبو تيج بأسيوط .. ولد عبد الفتاح فى 14 فبراير 1909 وسمحت له ثروة عائلته ومكانتها باختيار البولو والتنس اللتين كانتا وقتها من ألعاب الوجاهة والرفاهية .. ولم يتميز عبد الفتاح كثيرا فى البولو لكنه نجح فى أن يصبح لاعب تنس مميز فتم اختياره لمشاركة منتخب مصر فى بطولات كأس ديفيز للتنس .. ولم تكن لعبد الفتاح أى علاقة بالإسكواش الذى كان لا يزال لعبة مجهولة فى مصر ولا يزال العالم كله يحاول اكتشافها .. فتأسس الاتحاد الأمريكى للإسكواش 1907 والاتحاد الكندى 1911 .. وفى 1908 كانت للإسكواش الإنجليزى لجنة خاصة به داخل اتحاد تنس حتى تأسس الاتحاد الإنجليزى 1928 .. أما الاتحاد المصرى فلم يتأسس إلا 1931

وبعد أن انهى عبد الفتاح عمرو دراسته الجامعية .. التحق بوزارة الخارجية وتم اختياره 1928 ضمن البعثة الدبلوماسية المصرية فى لندن ولهذا نال لقب بك .. وهناك فى لندن .. بدأ الدبلوماسى الشاب وبطل التنس المصرى يتعرف على لعبة الإسكواش فى نادى كوينز .. وعلى استحياء .. أمسك عبد الفتاح عمرو بك لأول مرة فى النادى بمضرب الإسكواش محاولا التعرف على قواعد هذه اللعبة وكيف يمارسها ثم بدأ يلعبها مع أصدقائه الإنجليز .. وفى ذلك الوقت .. أى 1929 .. بدأت بطولة بريطانيا المفتوحة كأول بطولة رسمية كبرى للإسكواش .. وكان مسموحا بالمشاركة فيها سواء للمحترفين والهواة .. ولهذا تم اعتبارها بمثابة بطولة العالم وبقيت كذلك حتى بدأت بطولة العالم بالفعل فى 1976 .. وكان الإنجليزى تشارلز ريد هو أول من فاز ببطولة إنجلترا المفتوحة للإسكواش فى 1929 .. ثم فاز الإنجليزى دون بوتشر ببطولتى 1930 و1931 .. ثم كانت المفاجأة الكبرى فى بطولة 1932 .. فقد فاز بالبطولة المصرى عبد الفتاح عمرو الذى لم يتعلم الإسكواش إلا من أربع سنوات فقط ولم يشارك فى أى مسابقات رسمية حقيقية للمحترفين وكان مجرد دبلوماسى هاو لا يحترف اللعبة .. واعتبر الإنجليز فوز عبد الفتاح بهذه البطولة الكبرى مجرد مصادفة أو هو حظ المبتدئين الذى يصعب أن يتكرر .. لكنه تكرر .. ففاز عبد الفتاح بالبطولة مرة أخرى فى 1933 ثم 1934 ثم 1935 .. وهكذا أصبح عبد الفتاح عمرو بطلا لعالم الإسكواش أربع سنوات متتالية

ولم تكن هذه الأربع بطولات هى نهاية المشوار .. فقد عاد عبد الفتاح عمرو ليفوز من جديد فى 1936 ببطولة بريطانيا المفتوحة .. وفاز بها أيضا فى 1937 للمرة السادسة .. وهو ما يعنى أن عبد الفتاح بك عمرو ظل يتسيد الإسكواش العالمى ست سنوات متتالية وهو إنجاز لم يحققه أى بطل عالمى آخر للإسكواش حتى الآن .. وتحول البطل المصرى إلى ظاهرة رياضية عالمية .. وأصبحت رحلته مع الإسكواش حكاية اهتم بها كثيرون ليس فقط بسبب بطولاته وانتصاراته العالمية .. إنما غرابة الرحلة نفسها والدبلوماسى الهاوى الذى بدأ يلعب الإسكواش لأول مرة فى حياته وهو فى العشرين من العمر وأصبح بعد سنوات قليلة جدا ودون أى احتكاك حقيقى بطلا للعالم .. وتوقف هؤلاء أيضا أمام حقيقة أن عبد الفتاح بك عمرو أبدا لم يحترف الإسكواش .. وبقى مجرد هاو للعبة رغم كل هذه البطولات .. ولهذا جمع عبد الفتاح بين ست مرات فاز فيها ببطولة بريطانيا المفتوحة أو بطولة العالم للمحترفين .. وست مرات أيضا ببطولة بريطانيا للهواة منذ 1931 حتى 1937 ولم يخسر بطولة الهواة إلا فى 1934 فقط .. وكان عبد الفتاح عمرو هو أول لاعب فى تاريخ الإسكواش يجمع بين بطولتى العالم سواء للمحترفين أو الهواة فى نفس العام .. وهو أمر لم ينجح فى تحقيقه بعد عبد الفتاح عمرو إلا لاعب واحد فقط هو الإنجليزى جوناه بارينجتون الذى أصبح بعد سنين طويلة هو المدير الفنى الذى يقوم بتدريب ورعاية عديد من المصريات والمصريين أبطال العالم للإسكواش

ورغم عدم احتراف عبد الفتاح عمرو للإسكواش إلا أن الإنجليز اعتبروه أول محترف هاو فى تاريخ اللعب أو أول هاو يفوز على كل محترفى العالم .. وبعد الفوز فى 1937 بسادس بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش .. وسادس بطولة بريطانيا للهواة فى ديسمبر 1937 .. قرر عبد الفتاح عمرو اعتزال اللعبة فى 1938 وهو لا يزال فى التاسعة والعشرين من العمر .. وواضح أنه كان من الذكاء بحيث قرر الاعتزال وهو فى قمة المجد الرياضى .. لم يشأ الانتظار داخل ملاعب الإسكواش حتى يهزمه أى لاعب صغير أو جديد وهو الذى فاز على كل أبطال العالم .. وفضل الخروج من الملعب منتصرا دون هزيمة .. وأقام الملك فاروق مأدبة على شرف المصرى بطل العالم فى القاهرة فى 25 مارس 1938 .. وعاد بعدها عبد الفتاح عمرو إلى لندن لمواصلة عمله الديبلوماسى وتم تعيينه مستشارا فنيا للاتحاد الانجليزى للإسكواش فى 1938 و1939 .. وقبل ذلك أصدر عبد الفتاح كتابه الأول فى 1934 بعنوان فن الإسكواش .. وكان له كتاب آخر بعنوان سيكولوجية مباريات الإسكواش

وابتعد عبد الفتاح عمرو بعد اعتزال الإسكواش عن الرياضة كلها متفرعا للعمل السياسى والدبلوماسى .. ومنحه الملك فاروق فى 1943 لقب باشا واختاره فى 1945 سفيرا للملكة المصرية فى لندن .. وفى 1948 استعاد عبدالفتاح باشا عمرو ذكريات الرياضة حين استقبل كسفير لمصر البعثة الأوليمبية المصرية التى شاركت فى دورة لندن 1948 وظل ملازما للبعثة حتى نهاية الدورة ليس فقط بحكم منصبه الدبلوماسى إنما غراما للرياضة وحنينا لذكرياتها .. وبعد ثورة يوليو 1952 .. أحيل السفير عبد الفتاح عمرو للتقاعد لكنه بقى فى انجلترا التى منحته جنسيتها هو وأسرته .. وأقام بقية حياته فى قرية صغيرة على الطريق بين لندن وأكسفورد .. وتكريما له أطلقت الحكومة البريطانية على الشارع الذى يقيم فيه اسم الممر المصرى وبقى فى هذا البيت حتى وفاته فى 23 نوفمبر 1988 .. وحكى الدكتور مصطفى الفقى أن عبد الفتاح باشا زاره فى القنصلية المصرية فى 1971 لتجديد جواز سفره مع طلبه بالاحتفاظ بالجواز القديم اعتزازا به وبالمهنة المكتوبة فيه كسفير ملك مصر والسودان فى المملكة المتحدة .. وفى 28 نوفمبر 2009 .. منح الاتحاد الدولى للإسكواش اسم عبد الفتاح عمرو جائزة خاصة تقديرا لما قدمة للإسكواش فى العالم باعتباره احد عظماء هذه اللعبة فى كل العصور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى