العاب فرديةمقالاتمنازلاتىرئيسيةىنرشح لكم

ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت” .. عبد الحليم الذى علم المصريين لعبة المصارعة

تشير الأوراق الرياضية الرسمية إلى يوجين كولومبانى بطل نادى باليسترو بوكولينى كأول مصارع مصرى بعدما حمل علم مصر ولعب باسمها فى دورة أثينا 1906 .. فإن الواقع وتفاصيله .. والتاريخ وحكايته .. والناس وشهاداتهم .. يؤكدون كلهم أن عبد الحليم المصرى كان هو البداية الحقيقية للمصارعة فى مصر .. فقبل عبد الحليم كانت المصارعة فى مصر نوعان .. إما مصارعة حقيقية كما عرفها ومارسها العالم منذ أول دورة أوليمبية فى أثينا 1896 وأول بطولة عالم فى فيينا 1904 واقتصرت على الخواجات والغرباء فى مصر .. أو مصارعة على الطريقة المصرية كرياضة شعبية اشتهرت باسم لعبة الباط .. وكانت إحدى ألعاب السيرك .. ويقوم أبطال كل سيرك بالإعلان عن تحديهم لأهالى منطقة السيرك .. ودعوة كل من فى المنطقة يرى نفسه يملك القوة والقدرة ليأتى إلى السيرك وملابطة أو مواجهة أبطال السيرك .. وبقت لعبة الباط هى المصارعة المصرية حتى جاء عبد الحليم فى 1907 لتتغير تماما رؤية المصريين للمصارعة

وكان عبد الحليم قد تعلم المصارعة الحقيقية من بطل المصارعة الفرنسى ليموزان .. وأدرك أنها لعبة تختلف تمام عن الملابطة .. وفى كل سيرك كان عبد الحليم يقدم استعراضاته كأنه بمنتهى الذكاء والوعى يريد أن يعلم جمهور السيرك وعشاق لعبة الباط بالتدريج قواعد وفنون المصارعة الحقيقية .. ونجح عبد الحليم بشكل كبير ومؤثر لينتقل بجمهوره من السيرك إلى النوادى الرياضية .. وبدأ فى نادى بوكولينى فى شارع عماد الدين مواجهة ومنافسة لاعبى المصارعة الأجانب ويتغلب عليهم أيضا .. ولاقى ذلك الهوى الشعبى المصرى وفرح الناس فى الشوارع والحوارى بهذا المصرى القوى الذى يستطيع أن يهزم كل هؤلاء الأجانب الأتراك والفرنسيين والإيطاليين والسوريين مهما كانت قوتهم وتدريبهم .. فزادت شعبية عبد الحليم وتضاعفت شهرته ومكانته .. وتغير اسمه أيضا من عبد الحليم دولار إلى عبد الحليم المصرى اعتزازا وفرحا بمصريته .. ولهذا أكد الأديب العالمى الكبير نجيب محفوظ فى كتابه الشهير بعنوان المرايا أن المصريين فى ذلك الزمن كانوا دائمى الإعجاب والحديث عن حسين حجازى الذى يهزم الأجانب فى كرة القدم .. وعبد الحليم الذى كان يهزمهم فى المصارعة

ولم يكن نجيب محفوظ وحده الذى تحدث عن عبد الحليم .. فقد خصص الفنان الكبير يوسف وهبى فصلا كاملا فى مذكراته عن المصارعة التى أحبها وكيف منحته القوة ليكمل مشواره نحو المجد وأكسبته اللياقة اللازمة للوقوف على خشبة المسرح سنوات طويلة .. وقال يوسف وهبى أنه بدأ يمارس المصارعة فى سيرك الحاج سليمان بعدما تعلمها من عبد الحليم الذى وصفه الفنان الكبير ببطل الشرق فى المصارعة .. وحين كتب محمد سعيد العريان قصة حياة الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعى .. قال أن الرافعى كان إلى جانب الأدب أحب الرياضة واحتفظ بصورة له بالزى الرياضى وكتب عدة مقالات فى مجلة المضمار الرياضية .. وقاده حبه للرياضة للسعى وراء نجومها يلتمس صداقتهم ومنهم المصارع الكبير عبد الحليم المصرى .. وقال أخرون كثيرون أنهم أحبوا المصارعة بعدما شاهدوا عبد الحليم المصرى .. وأنهم لعبوا المصارعة وأجادوا ممارستها بعدما تعلموها من عبد الحليم المصرى

وهكذا بدأت المصارعة الحقيقية فى مصر بفضل عبد الحليم المصرى الذى لم يكتف بمبارياته وانتصاراته المتتالية .. إنما بدأ يقوم أيضا بتدريب آخرين كثيرين على المصارعة .. كان يستدعيه الأمراء والأثرياء لتعليمهم فنون المصارعة فى بيوتهم أو قصورهم .. وحرص فى المقابل على تعليم المصريين الصغار البسطاء كيف يمارسون المصارعة ويتفوقون فيها أيضا .. ومثلما كان يوسف وهبى أحد تلامذة عبد الحليم المصرى .. كان هناك تلاميذ آخرون كثيرون أصبحوا مصارعين فى أندية بوكولينى والأهرام والزمالك والخلية مثل فايق خيرى وحسين فوزى وعبد السلام المهدى وأنيس سركيس وحسن البصرى وأحمد رحمى ومحمود بسيونى وأحمد رشاد .. لكن أهم تلاميذ عبد الحميد المصرى كان الشاب الصغير إبراهيم مصطفى العامل فى ورشة نجارة فى الإسكندرية .. ففى إحدى عروض عبد الحليم فى الإسكندرية انبهر إبراهيم مصطفى بما يقوم به عبد الحليم وأصبحت أمنيته الوحيدة أن يصبح بطلا مثله .. ولم يتوقع إبراهيم وقتها أنه سيتفوق على أستاذه ليصبح أول مصارع مصرى يفوز بميدالية أوليمبية فى دورة أمستردام 1928 .. لم تكن مجرد ميدالية إنما كانت ميدالية الذهب ولم ينس إبراهيم بعدها فضل أستاذه الأول عبد الحليم المصرى

والمثير فى الأمر أن عبد الحليم المصرى بدأ حياته صحفيا رياضيا ولم يكمل مشواره مع الصحافة بسبب غرامه وانشغاله بالمصارعة .. لكنه بقى هاويا للقراءة والكتابة .. وقالت عنه مجلة اللطائف المصورة أنه .. ضرب بقسط وافر فى الأدب ومارس التأليف والتحرير وله آثار أدبية على مسارح التمثيل تشهد بما أحرزه من الأدب والعلم .. وبعيدا عن اللطائف المصورة .. حكى أمين بكير فى كتاب له بعنوان دفتر أحوال المسرح المصرى عن جورج أبيض رائد المسرح اللبنانى الذى هاجر إلى مصر وأوفده الخديوى عباس حلمى إلى فرنسا لتعلم فنون التمثيل .. وحين عاد جورج أبيض إلى القاهرة فى 1910 .. أسس فرقته المسرحية وبدأ تقديم التراجيديات العالمية مثل أوديب والملك لويس الحادى عشر .. وحين قل اهتمام الجمهور بما يقدمه .. اتجه إلى المسرح الغنائى وقدم مسرحية فيروز شاة فى 1914 وشارك فيها سيد درويش لتكون أول الأعمال المسرحية للموسيقار الكبير .. والمفاجأة أن هذه المسرحية الغنائية كانت من تأليف المصارع الكبير عبد الحليم المصرى

وكان من الطبيعى بعد كل ذلك أن تصبح وفاة عبد الحليم المصرى فى 1924 خبرا تلتفت إليه وتهتم به وتنشره صحافة مصر وقتها .. ووضعت مجلة اللطائف المصورة صورته على الصفحة الأولى فى عددها الصادر فى 23 يونيو 1924 .. وتحت الصورة .. كتبت اللطائف المصورة عنوانا كبيرا هو .. وفاة أقوى رجل فى مصر عبد الحليم بك المصرى .. وتحت العنوان قالت اللطائف المصورة .. فوجئنا بنعى بطل مصر فى المصارعة .. بل أقوى رجل عرفته البلاد .. ألا وهو المرحوم عبد االحليم بك المصرى .. وكانت وفاته على إثر عملية جراحية كما بلغنا .. فراح مأسوفا عليه وعلى شبابه الغض مبكيا من جميع معارفه وأصدقائه العديدين .. وقد اتصف رحمه الله بحسن الخلق والأخلاق ودماثة المعشر وسمو الآداب علاوة على تفوقه فى القدرة البدنية وامتيازه بقوة العضلات ومرونتها وحسن معرفته لأساليب المصارعة المختلفة .. وإذا كانت مصر الرياضية قد بدأت رسميا تهتم بالمصارعة 1910 وأشركتها فى دورة أنتيويرب الأوليمبية 1920 وتأسس أول اتحاد مصرى للمصارعة 1933 .. وأصبحت المصارعة ثانى أكثر الألعاب المصرية فوزا بالميداليات الأوليمبية بعد رفع الأثقال .. فإن عبد الحليم المصرى هو الذى بدأ الحكاية كلها .. وهو الذى علم مصر والمصريين قواعد لعبة أصبحوا فيها أبطالا للعالم وأبطالا أوليمبيين أيضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى