ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت”…ديميتريوس المصرى وميداليته الأوليمبية المسروقة

فى جامعة كاليفورنيا سان دييجو بالولايات المتحدة .. اجتمعت العام الماضى لجنة علمية برئاسة الأستاذ مايكل بروفينس .. ومنحت درجة دكتوراة الفلسفة فى التاريخ لبول كوست نيكولاى شير .. ولا يعنينا فى هذه الحكاية إلا أن موضوع الرسالة التى احتفت بها الجامعة العريقة كان عن الرياضة المصرية .. وبالتحديد تكوين وتأسيس وبدايات وحكايات الرياضة فى مصر من 1882 حتى 1956 .. ويعنينا أكثر أن بول شير أثبت من جديد أن ديميتريوس كاسداجليس كان مصريا .. وأنه من الممكن اعتباره أول لاعب أوليمبى فى تاريخ مصر وهو ما يعنى أن مصر شاركت فى أول دورة أوليمبية فى التاريخ الحديث فى أثينا 1896 .. وبالتالى يمكن إضافة الميداليتين الفضيتين اللتين فاز بهما ديميتريوس فى مسابقة التنس إلى رصيد مصر الأوليمبى.
ولم تكن رسالة الدكتوراة لبول شير هى المرة الأولى التى يدور فيها حديث عن ديميتريوس كاسداجليس وهل فاز بهاتين الميداليتين الأوليمبيتين كلاعب تنس يونانى أم إنجليزى أم مصرى .. فحتى 2008 لم يكن هناك من يتحدث عن هذا اللاعب وحكايته وجنسيته .. وظلت الوثائق الأوليمبية الرسمية تؤكد أنه لاعب تنس يونانى شارك فى أول دورة أوليمبية وفاز بميدالية فضية فى فردى التنس وفضية أخرى فى الزوجى .. وقبل دورة بكين وبينما كان هناك باحثون وكتاب ومتخصصون فى التاريخ الأوليمبى يستعيدون حكايات وغرائب الدورات السابقة .. توقف بعضهم مثل ديفيد والتشينسكى وجيمى لوكى وآخرون أمام كاسداجليس وحكايته المعقدة والغريبة والمجهولة أيضا.
والمثير فى الأمر أن البحث عن حقيقة كاسداجليس بدأ أصلا لإثبات أنه كان لاعبا إنجليزيا .. وهو ما رفضه اليونانيون استنادا إلى أن اسمه الأصلى هو ديونيسيوس وهو اسم يونانى وأسرته يونانية من جزيرة رودس .. ورد عليهم الإنجليز مؤكدين أنه إنجليزى ومولود فى إنجلترا وأن الأسرة أصلا ليست يونانية إنما روسية .. وهاجرت الأسرة إلى جزيرة رودس اليونانية حيث ولد إيمانويل .. وهاجر إيمانويل إلى إنجلترا واستقر فى مدينة مانشيستر وأنجب طفلين ..أكسينوفون وديميتريوس .. وحين كبر الطفلان وقبلهما كبرت تجارة الأب فى مجال القطن .. أرسل إبنه ديميتريوس ليقيم فى الإسكندرية ويدير من هناك تجارة أبيه .. ومن الإسكندرية سافر ديميتريوس فى 1896 ليشارك فى أول دورة أوليمبية هناك وفاز بالميداليتين وبالتالى هو لاعب إنجليزى .. ووسط هذا الصراع الأوليمبى التاريخى كانت المفاجأة أن ديميتريوس هو لاعب ومواطن مصرى ولم يكن فى أى يوم يونانيا وليس إنجليزيا أيضا.
ففى 2012 .. صدر كتاب بعنوان القوائم الأوليمبية من تأليف ديفيد والتشينسكى وجيمى لوكى .. وأشار الاثنان إلى أن أول ميداليتين أوليمبيتين لمصر كانتا تلك التى فاز بهما ديميتريوس فى التنس فى دورة أثينا 1896 .. وأن ديميتريوس كان يعيش ويلعب التنس فى مصر .. وسافر من مصر إلى أثينا وشارك فى دورتها الأوليمبية وعاد بميداليتيه الفضيتين مرة أخرى إلى مصر .. وأنه فى تلك الدورة وعام 1896 لم يكن ديميتريوس يملك أى أوراق رسمية تؤكد أنه يونانى الجنسية .. وكانت تلك شهادة أو رواية لها قيمتها .. فديفيد هو باحث تاريخى أمريكى وشغل منصب رئيس الجمعية الدولية للتاريخ الأوليمبى .. وكان التاريخ الأوليمبى أيضا أحد المجالات التى تخصص فيها جيمى لوكى بعدما أنهى دراسته فى جامعة هارفارد .. وأهم ما فى هذا الأمر .. هو أن ديفيد وجيمى وآخرون أثبتوا أن اللجنة الأوليمبية الدولية كانت فى البداية تعتمد الأندية التى يلعب لها المشاركون فى الدورات الأوليمبية .. وكانت اللجنة الأوليمبية الدولية تعتمد تمثيل اللاعبين لأنديتهم والبلاد التى تقع فيها هذه الأندية كبديل لجنسية اللاعبين الحقيقية .. وقد شارك ديميتريوس فى دورة أثينا الأوليمبية كلاعب تنس فى نادى سبورتينج بالإسكندرية .. وبالتالى فاز اللاعب وفاز ناديه أيضا بهاتين الميداليتين .. وهو ما يعنى أن مصر هى صاحبة الميداليتين وليست اليونان كما تشير الوثائق الأوليمبية أو كما يزعم ويطالب الإنجليز .. كما سافر ديميترسوس أيضا لليونان وشاركة فى دورة ألعاب 1906 التى أرادتها اليونان بديلا للدورات الأوليمبية بعد رفض الطلب اليونانى بإقامة كل الدورات الأوليمبية فى أثينا كل أربع سنوات .. وفى دورة 1906 .. شارك ديميتريوس أيضا كلاعب من نادى سبورتينج فى الإسكندرية وليس كلاعب يونانى.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد .. وبدأ بول شير قبل رسالة الدكتوراة عن تاريخ المصرية يبحث من جديد فى ملفات وأوراق ديميتريوس كاسداجليس .. وعثر فى 2017 على الحكاية الكاملة لزواج ديميتريوس فى 1905 من الإنجليزية جين كاسيولى .. ثم الطلاق فى 1914 بعد اعتراف ديميتريوس بخيانة جين .. ولم يكن الطلاق هادئا إنما ذهب الإثنان للمحكمة حيث أكد ديميتريوس أنه ليس إنجليزيا ولا يخضع لأى قوانين إنجليزية إنما هو مواطن مصرى يقيم فى مصر وبيته وعمله فى مصر .. وأنه طلب رسميا حق الإقامة فى مصر حين كانت لا تزال ولاية عثمانية ثم طلب الجنسية بعد انتهاء الحماية البريطانية وإعلان استقلال مصر .. ولم يكن ديميتريوس يكذب .. فقد أصبح مواطنا مصريا بالفعل وانتقل من الإسكندرية للقاهرة واستقر فيها وبقى يلعب التنس فى نادى إيفيتوس كايرو .. وبقى ديميتريوس مصريا حتى وفاته فى ألمانيا 1931 .. وكانت شهادة بول شير والحكايات والدلائل التى قدمها لإثبات مصرية ديميتريوس كاسداجليس التى قدمها فى رسالته لنيل شهادة الدكتوراة العام الماضى .. مجرد إثبات جديد يضاف إلى بحوث وأدلة قديمة وكثيرة أثبتت كلها أن ديميتريوس كان مصريا حين لعب وحين فاز أيضا بالميداليتين الأوليمبيتين.
وما نخرج به من حكاية ديميتريوس كاسداجليس هو أن مصر شاركت عام 1896 فى أول دورة أوليمبية فى التاريخ الحديث وفاز لاعبها فى التنس بميداليتين فضيتين لكن لم تتمسك مصر بحقها .. ربما لأن مصر وقتها لم تكن تملك لجنة أوليمبية محلية تدافع عن حقوق لاعبيها .. أو أن الاهتمام بالرياضة وانجازاتها حين أقيمت الدورة الأوليمبية الأولى لم يكن بالشكل الحالى ولم تكن الدول وقتها تحرص على إبراز إنجازاتها الرياضية وتهتم بميدالياتها الأوليمبية .. وأن اليونان كانت فى المجال الأوليمبى أقوى من مصر وأكثر نفوذا وأحبت أن تضيف ميداليتين لرصيدها الأوليمبى على حساب مصر .. لكن المشكلة الحقيقية هى أن مصر التى أصبحت طرفا أساسيا فى هذا الصراع الأوليمبى التاريخى منذ بدأ فى 2008 .. لم تهتم فى أى وقت بالبحث عن حقها الضائع ولم تطلب أبدا استعادة هاتين الميداليتين الأوليمبيتين المسروقتين من رصيدها الأوليمبى .. وتركت مصر الآخرين يحاربون بالنيابة عنها دون أن تشاركهم فى هذه الحرب أو حتى تهتم بهؤلاء الذين يدافعون عنها بداية من ديفيد والتشينسكى وجيمى لوكى حتى بول شير ورسالته لنيل درجة الدكتوراة .. فإنجلترا بكل رصيدها الأوليمبى حاولت استعادة هاتين الميداليتين .. واليونان حتى هذه اللحظة ورغم كل الشهادات التى كشفت الحقائق لا تزال تتمسك بالميداليتين .. وبقت مصر وحدها لا يشغلها ولا يعنيها هذا الأمر.