حواراتحوارات ومقالاتمقالاتىرئيسيةىنرشح لكم

ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت” .. إدمون صوصة أول مصرى يفوز ببطولة عالم

سيبقى 1928 من الأعوام المميزة والاستثنائية فى تاريخ الرياضة المصرية .. فقد نجح إسحاق حلمى فى عبور المانش ليصبح أول مصرى يقوم بذلك والتاسع فى العالم كله .. وقبل إسحاق حلمى كانت دورة أمستردام الأوليمبية التى فاز فيها السيد نصير بأول بميدالية لمصر وكانت ذهبية رفع الأثقال .. وفيها أيضا أصبح إبراهيم مصطفى أول مصرى يقف على منصة تتويج أوليمبية لتسلم ميدالية الذهب للمصارعة .. وفيها حقق المنتخب المصرى الكروى اكبر انتصاراته الأوليمبية وفاز على تركيا بسبعة أهداف .. وقبل كل ذلك .. وبالتحديد فى 15 أبريل فى مدينة بازل السويسرية .. فاز إدمون صوصه ببطولة العالم للبلياردو ليصبح أول مصرى فى التاريخ يفوز ببطولة عالم فى أى لعبة .. وكان هذا الفوز مفاجئا للمصريين حتى الذين لا يعرفون البلياردو ولا يلعبونه أو يتابعون أخباره وحكاياته وأبطاله .. ولكن أعجبهم احساس أن واحدا منهم ومصريا مثلهم أصبح بطلا للعالم .. وفى المقابل لم يكن فوز صوصه ببطولة العالم مفاجأة لأسرة البلياردو العالمية بعد تألقه فى 1927 فى الولايات المتحدة حيث بدأ كثيرون يلتفتون لهذا الشاب القادم من مصر يملك الموهبة والكثير من الأحلام

ولم يكن إدمون قد أتم الثلاثين من العمر حين فاز لأول مرة ببطولة العالم .. فقد ولد فى 11 أكتوبر 1898 لأب يملك أحد مصانع الدخان فى الإسكندرية .. وأحب إدمون فى صباه البلياردو الذى كن فى تلك الأيام لعبة للأغنياء والباشوات فى قصورهم وأنديتهم الراقية فقط .. وبعدما تجاوز الرابعة والعشرين من عمره .. سافر إدمون إلى فرنسا والتقى هناك بروجر كونتى الذى كان وقتها أحد أهم وأشهر مدربى البلياردو فى العالم .. وبدأ كونتى تدريب إدمون بعدما تأكد من موهبته وحبه لهذه اللعبة .. وفى سنوات قليلة جدا .. أصبح إدمون من أهم لاعبى العالم .. ثم أصبح فى 1927 الثالث على العالم فى البطولة التى استضافتها باريس .. وأصبح فى 1928 بطلا للعالم فى بازل .. وكان هذا الانتصار سببا فى خروج البلياردو المصرى من القصور إلى الشارع .. ومن اللعبة غير المفهومة وغير المهمة لكثيرين فى مصر إلى لعبه يهتم بها الناس وتتابع الصحافة أخبارها .. وفى ديسمبر 1928 .. تأسس أول اتحاد للبلياردو بعد عدة اجتماعات دعا إليها الأمير عباس حليم واستضافها فندق شبرد .. وكان أول قرار للاتحاد الجديد هو تنظيم بطولة أفريقيا فى الإسكندرية فى مارس 1929 واستضافة بطولة العالم فى القاهرة من 17 إلى 22 مارس 1929

وأقيمت بهذه المناسبة مباراتان للبلياردو بين إدمون صوصة بطل العالم وحسين حجازى فى 11 و12 ديسمبر 1928 فى فندق شبرد .. وعلى الرغم من أن حسين حجازى وقتها كان أهم وأشهر لاعب كرة قدم فى مصر وشعبيته كنجم كروى لا تقل عن شعبية الأهلى أو الزمالك .. إلا أنه كان أيضا من العشاق الكبار للبلياردو لدرجة أنه ترك الزمالك فى 1924 وانتقل للأهلى حين انتقل الزمالك من موقعه القديم مكان دار القضاء العالى حاليا إلى موقع جديد على النيل ولكن ليس فيه صالة بلياردو .. وبعد أزمة بين الأهلى وحسين حجازى فى 1928 .. ترك حسين حجازى الأهلى وعاد إلى الزمالك وتم استبعاده من المشاركة مع المنتخب المصرى فى دورة أمستردام الأوليمبية .. وكانت هاتان المباراتان بين حسين حجازى وإدمون صوصة خطوة أخرى مهمة وفاصلة أضافت الكثير جدا من الشعبية للبلياردو الذى بدأ يقترب وقتها من شعبية كرة القدم .. ورغم عشق حجازى ومهارته فى البلياردو إلا أنه خسر أمام صوصه بطل العالم والمثير أن الذى قام بتحكيم المباراتين كان إسحاق حلمى أول سباح مصرى يعبر المانش

وجاء أخيرا أبطال العالم للبلياردو إلى مصر للمشاركة فى بطولة العالم فى فندق شبرد .. وكان فى استقبالهم فى محطة السكة الحديد الأمير عباس حليم واعضاء الاتحاد المصرى الجديد .. والتفت عالم البلياردو للقاهرة متسائلا عما سيحدث فى بطولة العالم 1929 وهل سينجح إدمون صوصة فى المحافظة على اللقب الذى فاز به العام الماضى فى سويسرا .. وبالفعل .. فاز إدمون صوصه بالبطولة بعد ست مباريات أمام أبطال العالم .. واحتفلت مصر ببطولة العالم الثانية لإدمون صوصه .. واختارت مجلة اللطائف صورة لصوصة أفندى على غلاف عددها الصادر أول إبريل مع تغطية خاصة للحفل الذى حضره وزراء وباشوات فى مقدمتهم كان على الشمسى باشا الذى كان وزيرا سابقا للمالية والمعارف وأول رئيس مصرى للبنك الأهلى.. ونجوم الرياضة أيضا مثل السباح العالمى إسحاق حلمى بك والبطل الأوليمبى لرفع الأثقال السيد نصير أفندى .. وقبل اللطائف المصورة .. كانت صورة إدمون صوصه على غلاف مجلة المصور فى عددها الصادر فى 29 مارس 1929 وكان العنوان الرئيسى على الغلاف هو .. إدمون صوصه يرفع رأس مصر عاليا فى مباراة البلياردو العالمية

وبعد بطولة العالم فى القاهرة .. عاد إدمون صوصة وفاز فى برشلونة 1930 ببطولة العالم للمرة الثالثة على التوالى واحتفت به جريدة نيويورك تايمز باعتباره البطل الذهبى للبلياردو الفائز ببطولة العالم للمرة الثالثة على التوالى .. وتوالت بطولات إدمون صوصه الذى فاز ببطولة العالم 11 مرة وببطولة أوروبا مرتين .. وبطولات وكئوس أخرى كثيرة ليصبح نجما رياضيا تحرص صحافة أوروبا والولايات المتحدة على نشر أخباره وحكاياته وبطولاته .. لكن الخبر الحزين كان فى مارس 1933 حين استضافت القاهرة مرة أخرى بطولة العالم للبلياردو وجاء أبطال العالم من جديد .. واختلف الأمر هذه المرة بعد أن أصبح البلياردو لعبة شعبية بالفعل يهتم بها الكثيرون جدا لدرجة أن تتم دعوة أبطال العالم لزيارة قصر عابدين وكان معهم المسيو شارلى فارو رئيس الاتحاد الدولى واستقبلهم أحمد حسنين بك الأمين الأول لجلالة الملك فؤاد .. ولم يفز إدمون صوصه بالبطولة واكتفى بالمركز الثانى .. وربما كان هذا هو السبب الأول أو السبب المباشر لقرار إدمون صوصه باعتزال البلياردو فى منتصف الثلاثينات .. أو ربما كان السبب هو رغبة إدمون صوصه فى التفرغ للرسم الذى كان أيضا هوايته تماما مثل البلياردو .. وبالفعل أقام إدمون صوصه بعد اعتزاله البلياردو فى باريس وتفرغ للرسم والفن وكثرت أعماله الفنية ولوحاته ولاقت إقبال كثيرين سواء نتيجة إعجابهم بخطوطها وألوانها أو كان يسعدهم أن صاحب اللوحات كان بطل العالم للبلياردو

وبعد جلوس فؤاد الأول على عرش مصر فى 1917 واختيار قصر القبة ليصبح المقر الرسمى للإقامة الملكية .. بدأ الملك سنة بعد أخرى يضيف إلى القصر مبان وبوابات وأسوار ومحطة للسكك الحديدية .. وظل فؤاد يستعين بفنانين ومصممين من أوروبا حتى أصبح أحد أجمل وأفخم قصور مصر .. وكان الفنان والمصمم الفرنسى بول كيس أحد هؤلاء الذين جاءوا من أوروبا لتجميل قصر القبة .. وقام بول بإعادة تصميم شرفات القصر والقاعة الملكية الرئيسية والجناح الخاص بالملكة نازلى .. وكان الفنان المصرى إدمون صوصه هو الذى قدم بول كيس للملك فؤاد والملكة نازلى .. وفى الأربعينات .. كانت قدرية زكى إحدى أجمل سيدات مصر وتحتفظ فى بيتها بالمعادى بلوحة كبيرة لها رسمها الفنان المصرى إدمون صوصه .. وحين جاءت سيدة المجتمع والثقافة البرتغالية مرجريتا فيكتوريا إلى مصر قبل ثورة يوليو  وتزوجت من على عبد الفتاح اللوزى وأنجبت طفلين قبل انفصالهما .. وقعت فى غرام الفنان المصرى إدمون صوصه .. وحين أجرت مجلة برستيج حوارا فى بداية التسعينات مع سيدة المجتمع والأعمال اللبنانية الشهيرة مى موسى .. كانت الصورة الرئيسية للحوار لمى موسى جالسة فى بيتها الأنيق وخلفها على الحائط لوحة كبيرة لها رسمها الفنان المصرى إدمون صوصه

وبعد سنين طويلة جدا .. عاد إدمون صوصة للبلياردو مرة أخرى فى 1986 .. كان فى الثامنة والثمانين من العمر لكنه لم يعد كلاعب او بطل بلياردو إنما كفنان عاشق للبلياردو كلفه فرنر بابر بتصميم جائزة لبطولة عالم جديدة لبلياردو الثلاثة أضلاع .. وصمم إدمون الجائزة وحضر ثلاث نهائيات لهذه البطولة الجديدة حتى وفاته فى باريس فى مارس 1989 وهو فى الحادية والتسعين من العمر .. وبالتأكيد ومع كامل الاحترام لكل أعماله الفنية .. سيبقى إدمون صوصه هو أول بطل عالم من مصر .. ليس فقط فى البلياردو إنما فى كل وأى لعبة حيث لم يسبقه أى مصرى لحمل هذا اللقب .. بطل العالم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى