العاب جماعيةالعاب فرديةمقالاتىرئيسية

ياسر أيوب يكتب ضمن سلسلة “ألعاب وحواديت”.. طاهر باشا وحكايته مع مصر وألعابها

فى 26 يناير 1970 .. مات فى اسطنبول محمد طاهر باشا 1970 .. ولم يكن خبرا اهتم به أو التفت إليه كثيرون .. فالرجل الذى مات بعد حياة طالت91 عاما لم يكن يعنى الكثير لتركيا حيث كل نجاحاته كانت فى مصر أو لمصر .. ومصر نفسها لم تهتم أو تحزن لرحيل أحد باشوات عصر الملكية الذى غادر مصر بعد ثورة يوليو 1952 وأقام فى سويسرا قبل أن يموت فى تركيا .. ولم يمش فى جنازته إلا قليلون كان منهم أفرى برونداج رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية وقتها وعدد من مسئولى اللجنتين الأوليمبيتين الدولية والتركية .. ولا يزال معظم المصريين حتى الآن لا يعرفون من هو محمد طاهر باشا والكثير جدا الذى قدمه لمصر وللرياضة فى مصر .. فهو الذى أسس أندية الفروسية والطيران وقام بتطوير نادى السيارات .. وأسس وأدار اتحادات مصر للفروسية والسلاح والانزلاق واصبح رئيسا للاتحاد الدولى للطيران .. وأول رئيس للجنة الأهلية للرياضة البدنية كأول جهة حكومية تدير الرياضة فى مصر وتضع قوانينها ولوائحها منذ 1934 .. وأصبح بعدها رئيسا للجنة الأوليمبية المصرية .. وأول مصرى يصبح عضوا باللجنة الأوليمبية الدولية منذ 1934 حتى 1968 .. وأقنع اللجنة الأوليمبية الدولية بعقد اجتماعاتها لأول مرة فى أفريقيا وكانت اجتماعات استثنائية أقيمت كلها على سطح مركب أبحرت فى النيل من أسوان إلى القاهرة .. وأهم انجازاته كان نجاحه فى ابتكار دورات ألعاب البحر المتوسط فى 1948 التى أقيمت أولى دوراتها فى الإسكندرية 1951 .. وإلى جانب نجاحاته الرياضية .. كان شريكا لطلعت حرب فى تأسيس شركة مصر للطيران .. وأسس وأدار الجمعية المصرية للدراسات التاريخية .. وأمور أخرى كثيرة رياضية وسياسية واجتماعية لا تجعل محمد طاهر باشا مجرد مواطن مصرى .. إنما هو أحد الذين قدموا الكثير جدا لمصر والرياضة المصرية دون أن يعرف أو يهتم أحد بمشواره وحكايته
وبدأ هذا المشوار فى شهر أغسطس 1879 حين ولد محمد فى اسطنبول .. والده كان مصطفى شكيب بك ووالدته كانت أمينة هانم ابنة الخديوى إسماعيل من زوجته حور جنان قادين .. وعاش محمد سنينه الأولى فى اسطنبول مع والديه حيث أحب الرياضة ومارس الكثير من ألعابها .. وسافر لاستكمال دراسته فى برلين ولوزان حتى نال شهادة الدكتوراة فى السياسة والعلوم الاجتماعية .. وكان مثقفا من طراز رفيع يجيد الحديث بطلاقة باللغات التركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية إلى جانب اللغة العربية .. وتزوج من الأميرة سميحة حسين ولم يدم هذا الزواج طويلا ولم ينجب الاثنان أى أطفال .. وكلها كانت مقدمات لا توحى بشكل الحياة كما ستجرى بمحمد حين يأتى إلى مصر ويقيم فيها ويبدأ تحقيق كل نجاحاته .. وحين جاء محمد طاهر باشا إلى مصر .. أقام فى قصر والدته أمينة هانم الذى حمل اسم قصر الطاهرة قبل أن يشتريه منه الملك فاروق فى 1941 بأربعين ألف جنيه ويقدمه هدية لزوجته الملكة فريدة
وكان نادى الطيران االمصرى هو أولى انجازات محمد طاهر باشا فى مصر .. أسسه فى 1931 واستضاف الجمعية العمومية للاتحاد الدولى للطيران فى القاهرة 1933 .. وأصبح أيضا رئيسا لنادى السيارات الملكى فى 1932 .. ومن الواضح أن الباشا بدأ فى مصر رحلته الرياضية بما تعرفه وتهواه الطبقة العليا التى ينتمى إليها قبل أن يبدأ الاقتراب من كل طبقات وزوايا المجتمع المصرى وواقعه وقضاياه .. ومن الواضح أيضا أنه كان انسانا يتميز إلى جانب ثقافته بأخلاقه الرفيعة وحسن تعامله مع الجميع .. وكان هذا كافيا لأن يصبح الباشا أحد قادة التمرد المصرى ضد اللجنة الأوليمبية الدولية التى رفضت إبعاد بولاناكى كممثل لمصر وضرورة اختيار مصرى لهذا المنصب بدلا منه .. وهو التمرد الذى أدى إلى انسحاب مصر من دورة لوس أنجلوس الأوليمبية 1932 .. وهو الأمر الذى دعا بهنرى دى بيلليت لاتور رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية للقيام بزيارة رسمية لمصر عقب دورة لوس أنجلوس .. وفى حوار أجرته معه جريدة الأهرام .. شرح رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية وجهة نظره التى لم يقتنع بها المصريون .. وحين تأكد لاتور أن المصريين لن يقبلوا بقاء بولاناكى ممثلا لهم تحت أى ظروف ومهما كانت الضغوط .. تراجعت اللجنة الأوليمبية الدولية عن موقفها ووافقت فى 1934 على تعيين ممثل جديد لمصر لديها وكان هذا الجديد هو محمد طاهر باشا .. وكان أشد المؤيدين لهذا الاختيار هو ممثل النمسا فى اللجنة الأوليمبية الدولية الذى أكد أن مصر أجادت اختيار ممثلها الأوليمبى من حيث الشخصية والثقافة والأخلاق والأفكار
وكان اختيار وقبول محمد طاهر باشا فى اللجنة الأوليمبية الدولية سببا فى أن يلتفت إليه المجتمع الرياضى المصرى ويعتبره قائدا للرياضة المصرية رغم أن الذى يدير اللجنة الأوليمبية المصرية وقتها كان الأمير محمد عبد المنعم ثم الأمير إسماعيل داود .. ودفع ذلك أيضا الملك فؤاد فى نفس العام .. 1934 .. لتشكيل اللجنة الأهلية للرياضة البدنية برئاسة محمد طاهر باشا ابن شقيقة الملك .. وكانت هذه اللجنة هى أول كيان رياضى رسمى فى الدولة المصرية بعيدا عن لجنتها الأوليمبية .. وأصبحت مهمتها الأولى هى استكمال تمصير الهيئات الرياضية المصرية بعد رحيل بولاناكى عن مصر وحل الاتحاد الرياضى المختلط الذى كان قد أسسه ويشارك فى إدارته غرباء وأجانب .. فبالنسبة للملك فؤاد كان محمد طاهر هو ابن شقيقته الذى يمكنه الوثوق فيه بعدما أصبحت الرياضة فى مصر نشاطا مهما يهتم به ويتفاعل معه الناس .. أما بالنسبة للرياضيين .. لم يكن محمد طاهر هو الباشا حفيد الخديوى اسماعيل وابن شقيقة الملك .. إنما الرياضى القادر على تحقيق الكثير من طموحات وأحلام الرياضة المصرية .. وإلى جانب ذلك .. نجح محمد طاهر باشا فى تأسيس العديد من الأندية والاتحادات الرياضية وحرص أيضا على استضافة البطولات العالمية فى مصر فى مختلف الألعاب .. وكلها كانت نجاحات تم تشويهها بعد ثورة يوليو 1952 فقط لأن محمد طاهر كان من العائلة المالكة وكان ابن عمة الملك فاروق الذى قامت ضده الثورة
وكان فاروق .. الأكثر اهتماما والتفاتا للرياضة من والده الملك فؤاد .. قد قام فى 1946 بإسناد إدارة اللجنة الأوليمبية المصرية لمحمد طاهر باشا الذى ظل رئيسا لها حتى ثورة يوليو .. وقبل توليه رئاسة اللجنة الأوليمبية المصرية .. شغل محمد طاهر باشا بشكل مؤقت منصب القائم بأعمال رئاسة النادى الأهلى من مارس 1940 حتى ديسمبر 1941 .. ولم تمنع مناصبه الرياضية ومكانته الاجتماعية وقرابته للملك فاروق الانجليز من القبض عليه واعتقاله بتهمة معاداة الانجليز والاستعداد لمناصرة الألمان ليطردوا الإنجليز من من مصر .. وبقى محمد طاهر باشا معتقلا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الإنجليز فتم إطلاق سراح الباشا والسماح بعودته لسابق حياته واستعادة منصبه كرئيس للجنة الأوليمبية المصرية فى 1946 .. ومن المؤكد أنها كانت تجربة شديدة المرارة للباشا رغم أنها باتت دليلا جديدا على أنه ليس مواليا للإنجليز أو حليفا لهم مثل باشوات آخرين وقتها .. وأنه ليس ممن ينعمون بالحماية الملكية مما يعنى أن نجاحاته الرياضية كانت لشخصه وليس لمكانته وانتسابه للعائلة الملكية
وبدأ محمد طاهر باشا يستعيد من جديد كل نشاطاته الرياضية السابقة والناجحة أيضا .. وبدأ يفكر فى استغلال عضويته باللجنة الأوليمبية الدولية وصداقاته هناك واحترام الكل له ليقوم بخطوة جديدة كان هو أول من فكر فيها .. الفكرة كانت إقامة دورة رياضية تشبه الدورات الأوليمبية لكن لا تشارك فيها إلا البلدان المطلة على البحر المتوسط شمالا وجنوبا .. وبعد دراسة طويلة لهذه الفكرة من كل جوانبها .. سافر محمد طاهر باشا إلى لندن حيث الدورة الأوليمبية 1948 .. كان الباشا رئيسا للبعثة المصرية لكنه طرح فكرة ألعاب البحر المتوسط كعضو باللجنة الأوليمبية الدولية .. ولم ترحب اللجنة الأوليمبية فى البداية بالفكرة لكن نجح الباشا المصرى فى اقناع ممثلى الدول المتوسطية الذين أعجبتهم الفكرة .. وأكد لهم محمد طاهر باشا استعداد مصر لاستضافة الدورة الأولى لهذه الألعاب .. وبالفعل أقيمت الدورة الأولى فى الاسكندرية فى شهر أكتوبر 1951 وشاركت فيها عشر دول .. إسبانيا و فرنسا وإيطاليا ويوجوسلافيا واليونان وتركيا وسوريا ولبنان ومالطا وموناكو إلى جانب مصر مستضيفة الدورة .. وشارك فى الدورة 969 لاعبة ولاعبا تسابقوا فى 11 لعبة بعد أن قام الملك فاروق بافتتاح الدورة عقب حفل افتتاح لم يدم أكثر من 22 دقيقة .. وفازت فرنسا بالدورة الأولى وبعدها إيطاليا واحتفظت مصر بالمركز الثالث .. ولا تزال هذه الألعاب إحدى الدورات الرياضية الشهيرة والمهمة فى العالم .. وكلما أقيمت دورة جديدة فى مدينة متوسطية .. كان ذلك يتحول إلى تحية جديدة للباشا المصرى الذى ابتكر هذه الألعاب وخطط لها ونجح فى أن يبدأها
وبعد عام واحد .. قامت ثورة يوليو 1952 .. واضطر محمد طاهر باشا للخروج من مصر مغضوبا عليه .. وتمت مصادرة كل ممتلكاته فى مصر .. وأقام محمد طاهر باشا فى لوزان .. وكان من مفارقات الحياة وما فيها من دراما أن محمد طاهر باشا الذى قاد ثورة المصريين لاستبعاد بولاناكى من تمثيل مصر فى اللجنة الأوليمبية الدولية .. هو نفسه الذى عاد المصريون يطلبون من اللجنة الأوليمبية الدولية استبعاده لأنه لم يعد يليق به البقاء ممثلا لمصر .. وبالفعل تم تعيين أحمد الدمرداش تونى بديلا له .. لكن لم يترك محمد طاهر باشا اللجنة الأوليمبية الدولية التى اعتمدته ممثلا لسويسرا .. وتم تعيينه كعضو بالمكتب التنفيذى للجنة الأوليمبية الدولية فى 1952 حتى 1957 .. وأصبح منذ 1960 مساعدا لرئيس اللجنة الأوليمبية الدولية ويحظى بكل تقدير واحترام .. وفى 1968 .. قرر محمد طاهر باشا اعتزال كل شىء والعودة وحيدا إلى اسطنبول حيث أقام فيها عامين حتى وفاته فى 1970

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى